لعل الحدث الأهم في حياة المرأة هو أن تضع في هذا العالم طفلها الأول. فالولادة الأولى تعني تحولاً كبيراً في حياتها. ويتمثل ذلك بشعورها العميق بالنضج وقدرتها غير المحدودة على العطاء، فهي تغذي للمرة الأولى كائناً آخر من جسدها، وتشعر بأنها مسؤولة عنه وعن تطوره وأمنه. فالولادة الأولى تعني ولادة العائلة كما يقول برازلتون. فهي تنطوي على انقلاب عاطفي كبير وعلى شعور متعاظم بالمسؤولية، ويمكن أن يترافق ذلك بالخوف والشك بعدم القدرة على الارتفاع لمستوى المسؤولية تجاه هذا المخلوق الجديد.
يتزايد اليوم عدد الولادات التي تحدث في دور التوليد بإشراف طبي ولقد درجت العادة على فصل الصغير عن الأم مباشرة بعد الولادة لأسباب العناية الصحية. إلا أن النتائج الحديثة للأبحاث العلمية تخلص إلى القول بوجوب وضع الوليد على تماس حسي مع الأم بعد الولادة مباشرة، وذلك لأهمية هذه اللحظات في العلاقات اللاحقة بين الطفل والأم. فالتماسّ الجسدي بين الأثنين يمكن أن يؤثر في الاتصال المتبادل بين الطفل والأم، وهذا ما توضحه الدراسة التالية حيث تمت مقارنة ثلاث مجموعات من الصغار تعرضت المجموعة الأولى إلى تماس جسدي مطول وذلك بوضع المولود على بطن الأم بعد الولادة مباشرة لمدة ثلاثين دقيقة، بينما تعرضت المجموعة الثانية إلى تماس قصيرة لمدة خمس دقائق. ولم تتعرض المجموعة الثالثة للتماس مع الأم وذلك لأسباب طبية. تبين هذه الدراسة بأن التماس المطول يمكن أن يسهل على الأم التعرف على رائحة الطفل، ويكون الطفل في الأيام التالية أكثر حساسية لرائحة الأم بالمقارنة مع روائح محايدة أو مع رائحة أم أخرى. لقد أوضحت الدراسات المتعلقة بتأثير الرائحة في علاقة الأم بطفلها بأن الرائحة تلعب دوراً هاماً في تطور هذه العلاقة خاصة في المرحلة الأولى بعد الولادة.
إن التعرف على الطفل بواسطة الشم يكون أكثر احتمالاً عندما تتهيأ للأم والطفل فرصة اللقاء اللمسي المطول بعد الولادة مباشرة.
لقد أكدت الأبحاث السابقة على أهمية توفير الفرصة للأم لرؤية الطفل وملامسته بعد الولادة مباشرة. فهي في أشد الحاجة لتحسه وتتلمسه وتشمه. لذا يجب المزيد من الحذر قبل التفكير بفصل الطفل عن الأم بعد الولادة مباشرة.